الحدث

الاستمرارية بثوب الانتخابات ذو عنوان التوافق

أمام التقارير المحذرة والرغبة في استمرار البعض في الحكم عام 2019

الاحتجاجات الاجتماعية خيار شعبي لأزمة قادمة 

 

حذرت دراسات غربية وقبلها تصريحات مسؤولين حزبيين وحكوميين من الصعوبات المتوقعة أمام الجزائر في 2019.

وذهبت بعض التقديرات إلى أن هناك تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى أمنية، ما يدفع السلطة للتعامل الجاد مع كل التهديدات المتوقعة، ويجعل من عام 2019 سياسيا بامتياز، كما أنه سيعرف تحولات عميقة هيكلية في الدولة وإصلاحات سياسية ربما أكثر جرأة من سابقتها، على غرار استحداث هيئات دستورية تشاركية في تنظيم الانتخابات واتخاذ قرار رقمنة المؤسسات لمزيد من الشفافية والكشف عن القوائم الانتخابية وطنيا، والتي كانت محل احتكار لوزارة الداخلية كبدايات لإصلاح سياسي طالما طالبت به القوى المعارضة، التي سيكون عام 2019 فرصة لها للتموقع وحجز مكانها الحقيقي في الغرم والغنم.

ستكون بداية العام، إن تغلبت إرادة محيط الرئيس الذي أصبح أكثر قناعة بعدم التوجه للانتخابات لعدة أسباب، إلى العمل على إقامة ندوة وطنية تجمع مختلف القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات، نيابة عن جزء لا يمكن تقزيم حجمه من الشعب، ويكون من مخرجاتها تعديل للدستور يمكن تمديد فترة الرئيس الحالي، وقد يجري تغييرات هيكلية على غرار استحداث منصب نائب الرئيس وتحويل النظام السياسي من شبه رئاسي إلى نظام شبه برلماني، وفق إصلاحات جديدة على غرار الهيئة المستقلة التي يمكن أن يضاف إليها صلاحية تنظيم والإشراف على الانتخابات، كما يمكن أن تكون من مخرجات الندوة الوطنية حكومة وحدة وطنية تتولى إنجاح إصلاحات اقتصادية عميقة، منها التحول نحو الدعم المباشر بدل الدعم غير المباشر الذي انتهجته الحكومات المتعاقبة، والحديث يطول عن مخرجات الندوة الوطنية إن لم تنسف من دوائر أخرى قد لا ترى فيها مخرجا حقيقيا للأزمة المتعددة التي تعرفها البلاد.

ان انعقاد هذه الندوة أيضا سينجر عنه تنظيم انتخابات برلمانية جديدة وفق آليات دستورية وقانونية تتماشى مع المقاييس الدولية، وتقلل من حجم الطعن في مصداقيتها داخليا وخارجيا، وربما تكون نهاية السنة فرصة للانتخابات المحلية.

2019 كثر الحديث فيه عن إعادة هيكلة المشهد الحزبي، بدءا بأحزاب السلطة التي ترغب في الدفع بالذاتية والاعتماد على الامتداد الشعبي وإنهاء مرحلة الكوطات التي أسست للأزمة السياسية في البلاد وصنعت مؤسسات شكلية لا تقدر على دفع أي حراك شعبي عفوي أو منظم، كما أن استقلالية الأحزاب هي أهم إصلاح سياسي جاد، والخطوة المهمة في الاحتكام إلى الشعب وصياغة برامج ومواقف تأخذ بعين الاعتبار توجهات الرأي العام وقناعاته، بعيدا عن منطق الأجهزة الذي لم تبق دولة تعتمده في العالم المتحضر، إضافة إلى أن هناك تطورا في الممارسة للأحزاب السياسية، ولم تبق هناك مخاوف كما كانت من قبل، لا في استيعاب والتغول على المستوى الشعبي ولا على المستوى الفكري، إذ أصبحت قناعات مختلف العائلات السياسية متقاربة في نموذج الدولة وفي طرق التسيير 

صحيح. سيجد هذا المسار مقاومة كبيرة من الأجهزة الحزبية، لكن الرهان على المثقفين داخل الأحزاب، ولا يمكن إنجاح هذا المسعى ما لم تتكافأ الفرص بين الأحزاب السياسية، خاصة فيما منح أو ما يمكنها الاستفادة منه بطرق لا تخسر فيها الدولة، على غرار المقرات أو غيرها، إضافة إلى منظومة قانونية صارمة في محاربة المال الفاسد والفساد السياسي الذي هو جذر الفساد الذي أصبح السرطان المدمر للمجتمع والدولة.

ورغم أن هذا السيناريو هو ربما الأكثر تداولا بين مختلف القوى السياسية، إلا أن هذا لا يمنع، ونحن نتحدث عن المستقبل الحديث عن سيناريو آخر، وهو تنظيم انتخابات رئاسية، يقدم النظام مرشحا يعلن عنه في بداية العام، خاصة أن المحيط الرئاسي لم يتحرك بمقترح التمديد إلا بعد تأكده من عدم إمكانية ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة، ربما لأسباب خارجية وحتى داخلية، وهو ما يجعل من السيناريو الثاني محتما، خاصة أمام وجود تحرك شعبي حتى ولو كان في منطقة محدودة، وأخذ شعار آخر غير سياسي، إلا أنه كان محطة استعراض في بجاية وقد يتوسع ليشمل منطقة القبائل كلها، وهو من شأنه إذا لم يقنع القوى التي ترعى هذا التحرك بأن الندوة الوطنية هي حل وسط ما زال الرفض موجودا من مكونات النظام، على غرار التكتلات الجهوية التي ترى أن حكم مجموعة من الجهة الغربية لا يجب أن يستمر أكثر مما أخذ من الوقت، وهي مصطلحات تتردد كثيرا في الصالونات، ويجعل من الصعب الحكم على قدرتها في ترجيح الكفة لها.

إن سيناريو تنظيم انتخابات يجعل من عام 2018 نصفها حملة انتخابية وربما استعمال الشارع للفصل، وفي ظل استمرار الخلاف يبقى من الصعب المحافظة على الاستقرار وأن الاستقواء بالخارج عبر خيارات شخصيات مدعومة منه وأكثر اهتماما بتحقيق المصالح الغربية، رغم محاولة إظهارها بالشكل الوطني أمر محتمل، وهو ما يدفع إلى أن التنافس سيكون بين عصب النظام أكثر مما هو بين القوى السياسية. وبدايات هذا السيناريو واضحة من خلال اختلاف أحزاب التحالف الرئاسي بين مؤيد للتمديد وبين مطالب بالحفاظ على الآجال الانتخابية. 

عام إصلاحات هيكلية في الدولة والحديث هنا عن إعادة التقسيم الإداري، وإضافة صلاحيات أوسع للإدارات المحلية، وربما أيضا تنظيم الإقليم وفق أقطاب اقتصادية، في ظل التحول الاجتماعي والمطالب الشعبية وخاصة الشبابية التي تطمح إلى تسيير محلي أكثر عقلانية واستفادة من الموارد المحلية، دون التخلي عن الدور المركزي للحكومة. 

ومثل هذه الرؤى سبق وأن طرحت في ورشات الإصلاح وخاصة ورشة هيكلة الدولة، كما أن رئيس الجمهورية أكد في الفترة الأخيرة على تعميق الإصلاحات، وعصرنة الإدارة، وأن سياسة الإصلاح الإداري المستمرة ستمكن من تكييف الإدارة والعمل الدائم على الرقمنة إن توفرت فعلا الإرادة السياسية في التحول الديمقراطي.

2019 رغم توقع وجود حكومة ائتلافية قليلة الانتقاد، إلا أن الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة ستكون صعبة وحرجة أمام توقعات انخفاض أسعار النفط نحو متوسط توقعات يبلغ 69 دولارا للبرميل، رغم أن قانون المالية أعد بسقف 50 دولارا للبرميل، إلا أن عدم وجود أي نوع من الرسوم ستظهر تداعياته في منتصف السنة، وهو ما يدفع إلى اختيار هذا التوقيت للانتخابات البرلمانية القادمة. 

ولعل أصعب التوقعات غير المتحكم فيها هي ردة الفعل الشعبية في ظل الحراك المتطور في شمال المتوسط وخاصة "حركة السترات الصفراء" التي يمكنها أن تتمدد هي أيضا شمالا وجنوبا، ويصعب التحكم في هذا العامل خاصة أنه يتزامن مع فترة انتقالية وغياب مؤسسات منتخبة، والعامل الاجتماعي يعد تهديدا حقيقيا إن لم يتدارك أيضا ملف إصلاح التمثيل النقابي والابتعاد عن الرؤية السابقة التي أشركت البعض وفق الولاءات وأبعدت البعض الآخر، ما زاد في هوة انعدام الثقة بين النقابيين والحكومة.

2019 سيكون التحدي الأمني أكثر حضورا خاصة أمام وجود تقارير بعودة آلاف الإرهابيين من سوريا والعراق من جنسيات مغاربية، وأقلهم جزائريون وتمركزهم في الساحل الصحراوي وليبيا، ووجود مؤشرات على تهديد الأمن القومي للدول المغاربية بشكل عام وبرعاية دول إقليمية التي لها مهمة إحداث الاضطرابات من الدول الراعية لمصالح لوبيات السلاح في الدول الغربية. صحيح أن الجيش الجزائري يعد من أقوى الجيوش في المنطقة وأكثر كفاءة في مواجهة التحدي الأمني، إلا أن عملية الإصلاح أيضا داخل الجيش مستمرة وقد تعرف تطورات أخرى كنتيجة للعملية السياسية الجديدة، على غرار ربما إعادة النظر في هيكلة المؤسسة الأمنية واسترجاع الوصاية لوزارة الدفاع الوطني وتوزيع الصلاحيات بين مختلف المؤسسات، بعد أن شهد العام الماضي عدة مراجعات لا يبدو أنها نهائية.

 كما سيكون عام 2019 فرصة للسلطة للتأكيد على محاربة الفساد، وستعرف المحاكم إصدار الأحكام على قضية البوشي التي أصبحت قضية رأي عام واهتمام دولي بالنظر للكميات الكبيرة التي هي محل متابعة. وربما ستعرف المحاكم قضايا أخرى لردع الفساد في البلاد، 

ينتظر الإعلاميون أن تعمل السلطة على تقنين القنوات الفضائية في هذا العام والبث عن طريق القمر الصناعي الجزائري، ما سيقلل من حجم مصاريف هذه القنوات. كما يتوقع أن يكشف عن صندوق دعم الصحافة واستكمال الهيئات القانونية على غرار سلطة الضبط للصحافة المكتوبة وتقنين أكثر للمواقع الإلكترونية وتطبيق أكثر للدستور والقانون، بما يضمن حرية الصحافة، خاصة أمام الخروقات التي عرفتها سنة 2018 من خلال سجن بعض الصحافيين.

2019 أيضا ستكون سنة الاحتجاجات الاجتماعية ذمام تدهور القدرة الشرائية وعدم وجود أي مؤشر في الرفع من الأجور، مقابل ارتفاع الأسعار وعدم التحكم في الأسواق، إضافة إلى عدم إعطاء الفرصة للنقابات التمثيلية للمشاركة في الحوارات الاجتماعية إلا في حالة التعفن والأزمات.

 


من نفس القسم الحدث