الحدث

الجزائريون يقضون عيد الأضحى بمشاكل ومعاناة تتجدد كل سنة!

بدأ ببرنامج مداومة غير مضبوط وصولا لحالة فوضى عرفتها الأحياء

الحليب بـ 50 دج والخبز بـ 30 دج أول أيام العيد

ذباحون "نجوم" أول أيام العيد

سيول من الدماء وغسل الأضحية بـ"التيمم" بسبب انقطاع الماء

 

لم يخرج عيد الأضحى هذه السنة عن القاعدة، حيث عاش الجزائريون خلال أول وثاني يوم عيد الأضحى نفس المشاكل والمنغصات، بدءا ببرنامج مداومة غير مضبوط لم يلب احتياجات المواطنين وصولا لحالة الفوضى التي عرفتها الأحياء والشوارع، بسبب مخلفات الذبح وأكوام النفايات التي لم تجد من يرفعها، وهي الوضعية التي تعقدت أكثر في عدد من البلديات بسبب انقطاعات في شبكة المياه.

 

الحليب بـ 50 دج والخبز بـ30 دج أول أيام العيد

 

ورغم تطمينات وزارة التجارة بشأن ضمان تزود المواطنين بالمواد الضرورية يومي العيد، لم يتمكن برنامج المداومة الذي سطرته هذه الأخيرة من تلبية الاحتياجات خلال هذه المناسبة، حيث شهدت مختلف البلديات يومي العيد ندرة واسعة في مادتي الحليب والخبز تحديدا، وهما المادتان اللتان يكثر عليهما الطلب يومي العيد، ما فتح المجال لبعض التجار للمضاربة، حيث بيعت كميات من الخبز على مستوى الأرصفة وبعض محلات البقالة بأسعار تتجاوز الـ 30 دينارا جزائريا، شأنها شأن أسعار كيس الحليب المدعم الذي وصلت أسعاره يومي العيد لحدود الـ 50 دج في بعض البلديات.

 

تجار يفتحون محلاتهم أقل من ساعتين تجنا للعقوبات فقط

 

وحسب تصريحات بعض المواطنين، فإن بعض التجار فتحوا أبواب محلاتهم في الساعات الأولى ليوم العيد ثم أغلقوا فقط لتفادي العقوبات التي ستسلط عليهم بعد العيد في حالة وجدت محلاتهم مغلقة، ما يعني أن فترات فتح المحلات لم تتجاوز الساعتين من حوالي الساعة السادسة صباحا حتى الساعة الثامنة لتغلق بعدها المحلات يومين كاملين.

بالمقابل فإن محلات بيع الخضر والفواكه عرفت إغلاقا تاما بسبب عدم وجود السلع أصلا، فالباحث يومي العيد عن محل للخضر والفواكه مفتوح يحتاج لمعجزة حقيقية، خاصة بسبب اللهفة التي اجتاحت الجزائيين عشية العيد، ما جعل مخزون الخضر خاصة ينفد من المحلات والأسواق. هذا وأشارت مصادر من ممثلي التجار أن الطلب المبالغ فيه على مادتي الخبز والحليب من قبل المواطنين، خلال أيام العيد، أحدث ندرة في هذه المواد، وصعّب من مهام التجار المداومين، خاصة الخبازين منهم، مقترحين على وزارة التجارة سن قانون يسمح للتاجر خلال أيام المداومة بتحديد الكمية التي يبيعها للزبون من أجل التحكّم في الطلب المتزايد من قبل المواطنين للمواد خاصة الخبز والحليب.

 

ذباحون "نجوم" أول أيام العيد

 

وبعيدا عن المداومة وحال الأسواق والأسعار، دخلت أغلب العائلات الجزائرية صبيحة عيد الأضحى في سباق مع الزمن للحصول على ذباح لأضحيتها، حيث بات هذا الأخير عملة نادرة يومي العيد، في وقت تراجعت هذه المهنة، وقد اضطر الجزائريون للتوجه نحو المذابح المعتمدة للظفر بموعد مع أحدهم أو إلى محلات القصابة للغرض نفسه، في رحلة بحث طويلة، وهو ما أكده العديد من المواطنين الذي كشفوا أن ندرة ''الذباحين'' والضغط المسجل على بعضهم أدى بهم إلى نحر أضحياتهم ما بعد منتصف النهار بعد توسلات، حيث نجد أن قائمة "الذباح" الواحد تحمل على الأقل 5 أشخاص، تجعله يتوقف عن أخذ مواعيد، حيث يتحول البعض وأمام حتمية أداء هذه الشعيرة، إلى ممارسين غير معتمدين من أجل نحر أضاحيهم، ويصل مبلغ عملية النحر الواحدة وبمساعدة صاحب الأضحية إلى 2500 دينار.

 

سيول من الدماء وغسل الأضحية بـ"التيمم" بسبب انقطاع الماء

 

هذا وقد عرف الجزائريون أول أيام عيد الأضحى مشاكل عديدة وعلى رأسها انقطاع شبكة المياه، فتطمينات وزارة الموارد المائية بعدم قطع التزود بهذه المادة الحيوية ذهبت أدراج الرياح، وغرقت العديد من شوارع العاصمة وبلدياتها، على غرار باقي الولايات، صبيحة الثلاثاء، في سيول من الدماء وحالة من الفوضى العارمة بعدما فضل جل المواطنين نحر أضاحيهم في الطرقات والأحياء المجاورة لمقر سكناهم، مثلما جرت عليه العادة، ليصطدموا بانقطاع المياه، وهو ما حول العيد إلى معاناة حقيقية بعد أن تزامنت الانقطاعات في بعض المناطق مع شروع السكان في عملية النحر، وهو السيناريو الذي عرفته بلديات في العاصمة على غرار السحاولة وبير توتة وخرايسة وكذا برج الكيفان وبرج البحري والشراڤة والدويرة وبوزريعة، فيما عرفت أحياء أخرى كحسين داي، درارية انقطاعات خلال الفترة المسائية، وهو ما أثار سخطا كبيرا لدى المواطنين لكون الانقطاعات تزامنت مع مناسبة دينية تتطلب استهلاكا كبيرا للمياه.

واضطر غالبية المواطنين مباشرة بعد الانتهاء من نحر الأضحية لتأجيل عمليات التنظيف لحين قدوم المياه، حيث ظل منظر الدماء هو السائد في الشوارع طيلة اليوم الأول.

 

روائح كريهة بسبب القاذورات ومخلفات الأضاحي تحاصر الأحياء

 

وما زاد من الفوضى في العديد من الأحياء هو تأخر مصالح البلديات وأعوان النظافة في رفع مخلفات عيد الأضحى، حيث عرفت أغلب ولايات الوطن يومي العيد انتشارا واسعا لأكوام النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء وحتى الأرصفة التي تحولت إلى مصبّات حقيقية للنفايات ومخلفات الأضاحي التي تنتشر منها الروائح الكريهة، بعد تكدس أكياس القمامة في مشهد ألفه المتجوّل يومي عيد الأضحى. وخلال جولة قادتنا لبعض بلديات العاصمة وقفنا على الانتشار الرهيب لتلال من النفايات والأكياس البلاستيكية المتناثرة هنا وهناك يومي العيد، ناهيك عن مجاري الدماء التي بقيت لصيقة على الأرصفة، لتتكرر نفس المشاهد في أغلب الولايات، وهو الأمر الذي أدى إلى انبعاث روائح كريهة نغّصت على المواطنين فرحة العيد ومنعتهم من التجوّل. 

بلديات العاصمة لم تسلم هي الأخرى من هذه الظاهرة التي شوّهت مظهرها، حيث وقفنا في جولتنا على أكياس نفايات ضخمة وعدد كبير من صوف الكباش وبعض أعضائها على غرار ''البوزلوف'' و''الأمعاء'' مرمية على أطراف الشوارع، في انتظار إزالتها من طرف عمال مؤسسة النظافة، حيث بات منظر القمامات المتراكمة يشكل ديكورا للشوارع الجزائرية، بسبب الانتشار العشوائي للنفايات، وعدم احترام المواطنين لأوقات رميها، بالإضافة إلى رميها خارج الأماكن المخصصة لها.

 

أطنان من الهيدورات ترمى في الشوارع ومساجد ومتطوعون لجمعها

 

هذا وقد عرف العيد أيضا انتشارا كبيرا لجلود الأضاحي أو ما يعرف "بالهيدورة" التي أحدثت فوضى كبيرة بالأحياء، نتيجة إقدام بعض العائلات على رميها بصفة عشوائية في الشوارع، في حين ظهر العديد من الشباب الذين استغلوا الموقف لجمعها ونقلها بشكل عشوائي غير صحي لاستغلالها وبيعها دون حسيب أو رقيب لمصانع الجلود وبأسعار لا تخضع لأي منطق أو مقياس. 

وكان نشطاء في حماية المستهلك قد نظموا حملات تدعو إلى الاستعمال العقلاني لجلود الأغنام، حيث دعوا إلى عدم رميها وتشويه المحيط واستغلالها كصناعة وإنتاج، حيث أشاروا إلى توجيهها إلى المصانع والمهتمين بالصناعات لاستغلالها في صناعة الأحذية والحقائب مثلا، واستغلال صوفها في النسيج وما إلى غير ذلك من الأمور التي تصلح لهذا الغرض. هذا ونظمت بعض المساجد حملات لجمع الهيدورة، حيث دعت لعدم رميها وتسليمها لإدارة المساجد والتي ستتولى أمرها والقيام ببيعها للمهتمين بالصناعات.

 

شباب في نجدة أحيائهم من الفضلات

 

وبسبب هذه الوضعية فقد أقدم يومي العيد العديد من الشباب والسكان القاطنين بالعمارات على تنظيف الشوارع والساحات العمومية بأنفسهم، نتيجة تأخر مرور أعوان النظافة لليوم الثاني من عيد الأضحى في العديد من الولايات، في صورة تضامنية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، حيث هبّ أغلبية السكان ممن نحروا أضاحيهم في الشوارع إلى القيام بحملات تطوعية لتنظيف الأحياء من مخلّفات عمليات النحر، لاسيما تلك التي تمت فيها عمليات ذبح الأضاحي جماعيا بين الجيران بالشوارع والساحات العمومية، حيث قاموا بعمليات إزالة الأوساخ ودماء الأضاحي من الشوارع، ورفع فضلات الأضاحي، حفاظا على صورة الأحياء والصحة العمومية.

 

مواطنون يذبحون أيديهم ويسلخون أرجلهم وطوارئ بالمستشفيات بسبب التخمة

 

وفي السياق ذاته، فقد شهدت مصالح الاستعجالات بالعديد من المستشفيات يومي العيد حالة طوارئ بسبب العدد الهائل من المواطنين الذين كانوا ضحية لحوادث بين متوسطة وخطيرة بسبب سوء استعمال أدوات النحر، وكذا بسبب مشاكل هضمية وتخمة ناتجة عن فرط استهلاك اللحوم. كما عاشت الصيدليات المناوبة هي الأخرى حالة من الطوارئ خلال أيام العيد، فالكل يقطع المسافات بحثا عن إحداها وقائمة الأدوية المطلوبة معروفة سلفا من الأدوية المسكنة لآلام المعدة أو القولون، بينما يبحث البعض الآخر عن أدوية للإسهال وعن مسكنات لآلام المعي، حسب ما أشار العديد من الصيادلة المداومين لـ"الرائد" الذين أكدوا بأن أغلب الزبائن تتمركز طلباتهم حول أدوية الجهاز الهضمي الذي يتأثر سلبا بسبب لحوم العيد، في حين شهد اليوم الأول إقبالا على أدوية الجروح من شاش ومحاليل معقمة، فالكثير من المواطنين أصيبوا بجروح بعضها خطيرة وعميقة استلزمت نقلهم إلى المستشفيات وأخرى طفيفة لا تستلزم سوى بعض الشاش والأدوية المطهرة للجروح.

 

طوابير لـ"تشواط" بوزلوف وتقطيع الأضحية 

 

من جانب آخر انتعشت العديد من المهن الموسمية يومي العيد، حيث تشكلت أول وثاني أيام عيد الأضحى المبارك طوابير طويلة لمواطنين يحملون أضاحي العيد على أكتافهم، ينتظرون ساعات لتقطيعها من قبل جزار محترف، حيث هناك من فضل تقطيع أضحيته في اليوم الأول خوفا من فسادها بسبب ارتفاع درجات الحرارة، في حين انتظر آخرون صبيحة اليوم الثاني. وقد اختلفت أسعار تقطيع الأضاحي من جزار لآخر تبعا لحجم الأضحية. واقتربت الأسعار في بعض الأحياء من 2000 دج خاصة بعدما أغلق العديد من الجزارين محلاتهم، ما شكل ضغطا رهيبا على العاملين منهم والذين تشكلت على مداخلهم طوابير طويلة للمواطنين. بالمقابل فقد تحولت عميلة "تشواط البوزلوف" في عدد من البلديات لمهنة تدر أرباح طائلة على عدد من العاطلين عن العمل حيث شهدت عدد من البلديات نصب عشرات قارورات الغاز و"الشاليمو" وتوافد العديد من المواطنين على هذه الخدمة، بعدما باتت "تشواط البوزلوف" عادة متبعة لأغلب العائلات، ووصلت أسعار "التشواط" لحدود الـ 500 دج.

س. زموش

 

من نفس القسم الحدث