الدولي

هل طوى الغرب صفحة التدخل العسكري لتغيير الأنظمة؟

بعد الانسحاب من أفغانستان

بخروج الولايات المتحدة والدول الغربية من أفغانستان تُطوى صفحة كتبت لمدة 20 سنة، عنوانها التدخل العسكري لإسقاط الأنظمة القائمة وتغييرها بأخرى. وبمجرد خروج آخر جندي أميركي وبريطاني من أفغانستان سيفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات عديدة في واشنطن ولندن؛ فهل تكون هذه آخر عودة لبعثة عسكرية من عملية قتالية طويلة الأمد؟.

منذ سنوات بدأ التحضير لهذه المرحلة، إذ لا تتدخل الدول الغربية بالقوة العسكرية لإسقاط نظام سياسي قائم، وهو ما عبرت عنه رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي سنة 2017، عندما قالت "إن عهد التدخل العسكري في الدول قد انتهى". أما وزير الدفاع الأميركي الحالي لويد أوستن، فقد أكد -في أول خطاب له عقب بدء الانسحاب الأميركي غير المشروط من أفغانستان- أن "الحروب التقليدية استنزفت وزارة الدفاع وقد ولى عهدها".

يميز أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن مثنى عبد الله بين مرحلتين: الأولى مؤقتة؛ دفعت الولايات المتحدة والغرب عموما للانسحاب والتركيز على الداخل، خاصة مع فترة الوباء وتنامي نفوذ اليمين المتطرف.

أما المرحلة الثانية "الإستراتيجية"، فتقوم -حسب عبد الله- على تشكيل قناعة لدى الأميركيين بأنه "ليس عليها التدخل بنفسها لحل المشاكل الإقليمية، وإنما الاعتماد على قوى إقليمية لحل الملفات العالقة، ومن هنا نفهم التحركات الفرنسية في الشرق الأوسط، والتحركات البريطانية في التعامل مع روسيا".

واستبعد خبير العلاقات الدولية في تصريحاته للجزيرة نت اللجوء مجددا إلى عمليات عسكرية شبيهة بتلك التي حدثت في أفغانستان أو العراق، بعد تشكّل قناعة غربية أن الشرق الأوسط فيه "3 قوى إقليمية، هي تركيا وإسرائيل وإيران، وستكون محاور للغرب من هذه المنطقة". ويتوقع أن أي تدخل عسكري مقبل سيقتصر على المساندة الأميركية بالوسائل التقنية واللوجيستية، "أما التنفيذ على الأرض فستتولاه دول أخرى".

ويبني الأستاذ في جامعة لندن قناعته بعدم إقدام أميركا أو الغرب على أي تدخل عسكري مباشر لإسقاط أي نظام بأن الرئيس الأميركي جو بايدن "يرفض -بطبيعته- التدخل العسكري، وحتى عندما كان نائبا للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عارض رفع أعداد الجنود في أفغانستان، وقاوم الضغوط الغربية لتمديد فترة الإجلاء من مطار كابل، ويريد الحفاظ على نهجه الدبلوماسي".

ما يحدث حاليا في أفغانستان ليس إلا طيّا لصفحة "فترة الثنائي جورج بوش الابن وتوني بلير"، حسب البروفيسور جيلبرت الأشقر، أستاذ العلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، الذي يرى أن "الغرب الآن يصفي تركة تلك الفترة، بعدما تبين أن المغامرة في العراق وأفغانستان فاشلة".

ويرى الأشقر -في حديثه مع "الجزيرة نت"- أن "جورج بوش الابن ومعه توني بلير، وكذلك المحافظون الجدد، كانوا يعتقدون أن الشعوب في انتظار الجيوش الأميركية لتحريرها من أنظمتها، وهذا تفكير طائش".

ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أن مرحلة التدخل العسكري والاحتلال ووضع أنظمة على مقاس واشنطن قد انتهت، وانتقلت واشنطن لمرحلة جديدة منذ أوباما، وهي توجيه ضربات جوية وعمليات خاصة تستهدف خصومها من دون التورط في إرسال جنود على الأرض.

وحول الذي حدث في أفغانستان، يرى المتحدث ذاته أن الأميركيين كانوا أمام خيارين: إما التصعيد بإرسال المزيد من الجنود، أو الانسحاب والتفاوض مع طالبان والحصول على ضمانات حتى لا تتحول أفغانستان إلى منصة لمهاجمة المصالح الأميركية، وتم ترجيح الخيار الثاني.

ورفض الأشقر المقارنة بين ما حدث في أفغانستان وما حدث في فيتنام، "لأن الانهيار السريع للجيش الأفغاني أظهر فشل تأسيس جيوش من قوى خارجية، وذكّرنا بالانهيار السريع للجيش العراقي في الموصل أمام تنظيم الدولة". وأضاف "أن الحرب على تنظيم الدولة في العراق وسوريا منحت الأميركيين درسا؛ وهو توفير الغطاء الجوي وترك مهمة القتال على الأرض للآخرين".

ينطلق رئيس قسم الأمن السيبراني في جامعة شرق لندن أمير النمرات من طبيعة الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة في أفغانستان لعناصر من" تنظيم الدولة"، ليؤكد أن الوسائل الجديدة "ستكون أكثر نجاعة وأقل كلفة للجيش الأميركي، حيث نشاهد كيف أُطلقت صواريخ غير متفجرة وطائرات مسيرة من دون إنزال أي جندي على الأرض".

وأكد النمرات أن الولايات المتحدة باتت على قناعة بأن الحروب التقليدية تم تجاوزها، وتفكر الآن في طرق جديدة للتدخل بأشكال غير تقليدية، بعد أن وضعت أسسا تكنولوجية ستساعدها على متابعة كل ما يحدث في أفغانستان، وتوجيه ضربات دقيقة للأهداف التي تريد".

ولفت المتحدث إلى حرب جديدة بين القوى الكبرى، "وهي الصراع على المعادن التي تستعمل في الرقائق والأجهزة الإلكترونية، وأفغانستان من الدول الغنية بهذه المعادن، ولهذا ستحافظ أميركا على هذه المصادر".

ويتوقع الخبير في الحروب الرقمية أن تكون لدى أميركا القدرة على السيطرة بطريقة غير مباشرة، "لأن المرافق الحيوية في أي بلد تحتاج للتكنولوجيا العالية، وهذه توفرها أميركا أو الصين، وعن طريق الحاجة للخبرات التكنولوجية تفقد أي دولة سيادتها على مرافقها الحيوية".

وفي سياق آخر، نقلت وكالة رويترز عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قوله إن طالبان تجري محادثات مع قطر وتركيا بشأن إدارة مطار كابل.

وشدد لودريان على أهمية تأمين المطار في أسرع وقت ممكن حتى يتمكن الراغبون بمغادرة أفغانستان من القيام ذلك عبر الرحلات الجوية التجارية، مؤكدا في الوقت نفسه أهمية مواصلة الضغط على طالبان دون التفاوض معها.

كما أشار الوزير الفرنسي إلى ضرورة تطبيق القرار الذي تبناه أمس الاثنين مجلس الأمن الدولي والمتعلق بتأمين مطار كابل الدولي. من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب إن على طالبان توفير ممر آمن للرعايا البريطانيين والأفغان الذين يحق لهم مغادرة البلاد.

وبينما عبر راب عن أسفه لبقاء أي أفراد ممن يرغبون في مغادرة أفغانستان داخل البلاد، أكد أن بريطانيا تضع آلية لتأمين خروجهم. وأضاف أن بريطانيا حققت مكاسب ملموسة من جميع التضحيات، مشيرا إلى ضرورة اعترافها وحلفائها بالواقع الجديد وما يمكن التخطيط له بشأن المستقبل، مؤكدا أن بلاده تحتفظ بحق الدفاع عن النفس ضد أي جماعة إرهابية تهاجمها، حسب تعبيره.

ونفى الوزير البريطاني بشدة ما أوردته تسريبات أميركية بشأن مسؤولية بريطانيا عن انفجار مطار كابل الذي قتل فيه 13 جنديا أميركا بسبب ترك جنودها بوابة المطار مفتوحة. بدوره، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن بلاده تتطلع لتشكيل حكومة موسعة في أفغانستان تضم كل العرقيات.

من نفس القسم الدولي