الثقافي

"الشرق يبدأ في القاهرة": فاسيولينسي في جلباب فلوبير

على الرفّ

من أبرز ما يخطر على البال حين نفكر في أدب الرحلة، اسم ماركو بولو صاحب كتاب "رحلات في أرض كوبلاي خان"، والذي استعاده الروائي الإيطالي إيتالو كالفينو في "مدن غير مرئية" حيث جرى تحويل الرحلة الأصلية إلى رحلة متخيّلة. قد نستعيد شيئاً من ذلك ونحن نقرأ عمل الكاتب الكولومبي آكتور آباد فاسيولينسي؛ "الشرق يبدأ في القاهرة"، الصادر مؤخراً في ترجمة عربية وقّعها محمد الفولي عن "دار صفصافة".حينما كتب كالفينو روايته، بدا واضحاً أنه يتّبع خطى ماركو بولو، إلا أنه وبدهاء فنّان وتحت مسمى رواية؛ أنقذ كتابات الرحالة الإيطالي من الأحكام والرؤى المسبقة عن المدن، رؤى تدّعي أنها تكشف لكنها في الحقيقة تهيل التراب على ملامح أخرى من شخصية المدن، وكأن عنوان الرواية محاولة للعب مع سؤال؛ هل يرى الرحالةُ المدنَ حقاً؟

رواية كالفينو تجعلنا نسأل لماذا وصف كاتبها المدن على لسان الرحالة في شكل حكايات ترى المدن من خلال مراوغات مختلفة. أليست هذه المراوغات هي ما تعطي بعداً فنياً للرحلة يملؤها بالشكوك ويحرّرها من الأفكار والخيالات المسبقة؟بدون ذلك قد يظلم الرحالة المدن التي يزورونها، إذ قد تنغلق عليهم وهم يظنون أنها تفتّحت لهم وامتلكوا سرّها الكامن، وربما هو حال الكاتب الكولومبي حيث انغلقت القاهرة أمامه. ففاسيولينسي قرّر أن يزور مصر التي زارها قبله فلوبير ومارك توين وفرانسوا فولني وروديارد كيبلينغ وانطلق بشكل واضح من قراءة سابقة لروايات فلوبير عنها.

لم يستخدم الكاتب فقط عبارة فلوبير الشهيرة "الشرق يبدأ في القاهرة" كعنوان لكتابه، بل استخدم أيضاً نفس الولع ونفس الضجر الخاصين بفلوبير عن القاهرة، بداية من الولع بالجنس في بلاد الشرق الذي أدّى إلى إصابة الكاتب الفرنسي بالزهري، إضافة إلى مظاهر أخرى منها الولع بكل ما هو فرعوني، والولع النمطي بالعطور والبخور، وصولاً إلى الضجر من الغبار والطقس. حتى أن الكاتب يحكي قصة اللحية التي أطلقها ليقلّد فلوبير حينما أتى إلى مصر.

ورغم كل هذا الولع بالشرق في الماضي يظل المرء يتأنى قبل أن يحكم بأن هذه الكتابة استشراقية بامتياز. هل هي مرة أخرى كتابة رجل أبيض قرّر المجيء والعيش في مصر لمدة شهرين (بين ديسمبر 1999 ويناير 2000) لا يبرح القاهرة، كما لا يبرح كتبه ومراجعه التي تعود غالبيتها إلى القرن التاسع عشر، ولا يذهب في القاهرة خارج المناطق السياحية، ربما سوى إلى سوق الجِمال ليرى الجمل كما وصفه فلوبير، وذات مرة يقرّر زيارة الأقصر وأسوان وملاحقة حقبة الفراعنة.

 

من نفس القسم الثقافي