الثقافي

صدر قديماً: "عمرو بن العاص".. العقّاد ومسالك الكتابة البيوغرافية

على الرفّ

تقدّم أعمال الكاتب المصري عباس محمود العقاد (1889-1964) مجموعة كبيرة من السِير، وهي بذلك من أكثر المدوّنات العربية اهتماماً بالكتابة البيوغرافية إذ تناول شخصيات من عصور وميادين مختلفة، مثل سعد زغلول وشكسبير وابن الرومي. ومع بعد المسافة الزمنية، قد يجد القارئ، خصوصاً ذلك الذي تعرّف على الكتابة البيوغرافية في ثقافات أخرى، أن ما قدّمه العقّاد، والثقافة العربية بشكل أعمّ، لا يخلو من نقائص في المنهجيات وفي البنية وفي التوغّل في التحقيق والتوثيق.

يتقصّى العمل في فكرة الدهاء هذه، والتي غالباً ما تبدو ذات حمولات سلبية، غير أنها من منظور آخر يمكن النظر إليها كقيمة، حيث يعرّف العقاد الداهية بـ"رجل يأنسون إلى لباقته وحيلته وحسن بصره بمواقع الأهواء وذرائع الإرضاء"، هكذا يجري تطويع الصفة إلى الشخصية وموقعها التاريخي، بل يعمل العقاد على بنائها منطقياً، فيظهر عوامل الوراثة والاكتساب التي تهيّأت لعمرو بن العاص، من خبرة التجارة والحضور بين سادة قريش والرحلات، إلى الحبشة خصوصاً، ومكانته لدى ملكها النجاشي.

لكن العمل لا يعدم النظرة النقدية لبعض ما تناقله المؤرخون، ولا يخلو من انتباه مؤلفه لكل ما يرفضه العقل من مرويات فيها أثر للتلفيق بارز، والعقاد على ما عُرف عليه شديد في مثل هذه؛ ومنها تدقيقه في مسألة حرق مكتبة الإسكندرية حيث يراجع كتب التاريخ القديمة ويجد أنها لا تذكر شيئاً من ذلك إلا بعد ستة قرون من فتح مصر، وأن القول بأن ورقها استعمل وقوداً لحمّامات المدينة غير جائز لأن مصنوعة من الرق الذي لا يصلح للاحتراق الطويل، ويختم بالقول "وكفى لتكذيب هذه الأسطورة أنها لا تشبه عملاً من أعمال الفتح الإسلامي الذي اقترن بالتعمير ولم يقترن قط بالتنكيل والتدمير".

من نفس القسم الثقافي